بدأ الصباح كالمعتاد: صمت في الشقة، ورائحة القهوة الطازجة، وشاشة كمبيوتر محمول تنتظر أوامري. فتحت المتصفح وأدخلت الاستعلام المعتاد في شريط البحث: “ماذا ترى في سانت بطرسبرغ اليوم”. قد يبدو الأمر وكأنه يوم عادي على الإنترنت، لكن النتيجة فاقت كل توقعاتي.
بدلا من الروابط والصور القياسية، ظهرت خريطة تفاعلية لسانت بطرسبرغ على الشاشة. يمكنني استكشاف المدينة كما لو كنت ألعب لعبة فيديو. في البداية كنت في حيرة من أمري، لكن الفضول تغلب علي. بالضغط على كاتدرائية القديس إسحاق، وجدت نفسي على الفور في الساحة أمامها.
كان الشعور لا يصدق: كان بإمكاني تشغيل الكاميرا، والنظر إلى تفاصيل الهندسة المعمارية، والاستماع إلى أصوات المدينة. قمت بالنقر على سائح يحمل كاميرا، وأخبرني عن حبه لكاتدرائيات سانت بطرسبرغ وجمالها المهيب وتاريخها. نقطتي التالية كانت قصر الشتاء. كان بإمكاني الدخول والتجول في القاعات وإلقاء نظرة على معروضات متحف الإرميتاج. وجدت نفسي في قاعة بافيليون، حيث كانت مرشدة شابة تدعى آنا تحكي لمجموعة افتراضية عن مجموعة بول الأول. كان صوتها مفعمًا بالحيوية وآسرًا لدرجة أنني شعرت وكأنني جزء من هذه الرحلة.
ثم قررت زيارة الحديقة الصيفية. بالضغط على الخريطة، وجدت نفسي على الفور بين المساحات الخضراء والمنحوتات الرخامية. التقيت برسام يرسم المناظر الطبيعية. أخبرني أنه يأتي إلى هنا كل صباح للإلهام وأن بيتر الأول، مؤسس هذه الحديقة، كان يحب التنزه في هذه الأزقة. كنت أرى أشعة الشمس تخترق أوراق الأشجار، وأسمع زقزقة الطيور وحفيف أوراق الشجر.
يتغير الطقس في سانت بطرسبرغ بسرعة، وقررت التحقق من كيفية انعكاس ذلك في النسخة الافتراضية. أدخلت الاستعلام “المطر في سانت بطرسبرغ” وانكشف أمامي مشهد يوم ممطر. طرقت القطرات على الأسطح، وأصبحت الشوارع لامعة وعكست ضوء الفوانيس. انتهى بي الأمر في شارع نيفسكي بروسبكت، حيث التقيت ببائع مشروبات ساخنة. أخبرني عن عمله وكيف أن سكان المدينة يحبون الشاي الساخن في الأيام الباردة.
قررت أن أنظر إلى مسرح ألكسندرينسكي. عندما دخلت إلى الداخل رأيت بروفة لباليه “بحيرة البجع”. كان بإمكاني مشاهدة الراقصين وسماع الموسيقى وحتى التحدث مع المخرج. أخبرني عن صعوبات الإنتاج ومدى أهمية نقل كل حركة ومشاعر للجمهور.
قادتني رحلتي الافتراضية إلى قلعة بطرس وبولس. كان بإمكاني تسلق الجدار وإلقاء نظرة على نهر نيفا، والشعور بالرياح على وجهي وسماع دفقة الأمواج. وهنا التقيت بمؤرخ أخبرني عن بناء القلعة وكيف أنها تحمي المدينة من الأعداء.
مر الوقت بسرعة، وأدركت أنني قضيت عدة ساعات في هذا العالم الافتراضي. قررت أن أقدم طلبًا أخيرًا: “الليالي البيضاء في سانت بطرسبرغ”. أضاءت الشاشة بنور خافت، وامتدت أمامي مدينة ليلية، أضاءها ضوء ضعيف لم يسمح للظلام بالهبوط. انتهى بي الأمر في Palace Embankment، حيث التقيت بشباب يتجولون في أنحاء المدينة. أخبروني عن أماكنهم المفضلة للمشي في الليالي البيضاء وكيف تعيش المدينة وتتنفس خلال هذا الوقت السحري من العام.
أغلقت الكمبيوتر المحمول، وجلست في صمت لفترة طويلة، أفكر في رحلتي الافتراضية. أدركت أن سانت بطرسبرغ قد انفتحت لي من جانب جديد بفضل التقنيات الحديثة وفضولي. لقد منحتني الجولة الافتراضية الفرصة ليس فقط لرؤية المدينة، ولكن أيضًا لسماع قصصها والشعور بأجواءها والالتقاء بسكانها.
في اليوم التالي قررت أن أتجول في مدينة سانت بطرسبرغ الحقيقية. مرة أخرى، شعرت بحجارة رصف شارع نيفسكي بروسبكت تحت قدمي ورؤية الواجهات المهيبة للمباني، أدركت أن مسيرتي الافتراضية أصبحت نقطة البداية لاكتشافات حقيقية جديدة. لم تعد سانت بطرسبورغ مجرد مدينة على الخريطة، بل أصبحت كيانًا حيًا يتنفس، مليئًا بالأسرار والعجائب التي لم أكشف عنها بعد.